أحمد فؤاد نجم
ولد أحمد فؤاد نجم في أيار- مايو سنة 1929.
و في الطريق إلى " عزبة نجم" قريته التي استمدت اسمها من العائلة الكبيرة " القبيلة كما يدعوها نجم" التي ينتمي إليها الشاعر لا بد أن ترى كل نماذج البؤس , و القهر التي تمتد عبر آلاف السنين , و تبدو لشدة وطأتها بلا نهاية .
" كان والدي في بدا حياته ضابط شرطة مشاغب أبعد عن عمله و اشتغل موظفا في وزارة المالية ثم فلاحا في الأرض التي يملكها. مات أبي و كنت في السادسة , لا أذكر من طفولتي البعيدة إلا صور الجنة.كنت طفلا مدللا أحبني والدي لأنني أشد الأبناء قبحا .و أذكر أيضا أنه قبل أن يموت قال لي ... يا بني فيك شيء يقول لي إنك إما أن تصل إلى قمة ما و إما أن تبقى في الحضيض... فليحمك الله..." .
يقول نجم : " تركنا أبي لعالم وحش بلا قانون .كانت أمي صغيرة و ساحرة .ووقعت فريسة لمطامع أعمامي و هم أغنياء ..(امتلكت أسرتنا في أواخر القرن 19 و بداية القرن العشرين آلاف الأفدنة ). رفضت أمي أن تتزوج أحدهم لأنها أحبتنا و كانت تعرفهم جيدا.و كان عليها أن تتلقى العقاب كاملا فجعنا".
عمل نجم في معسكرات الجيش الانجليزي متنقلا بين مهن كثيرة كواء..لاعب كرة.. بائع ..عامل انشاآت وبناء.. ترزي. و في فايد و هي احدى مدن القنال التي كان يحتلها الانجليز التقى بعمال المطابع الشيوعيين..و كان في ذلك الحين قد علم نفسه القراءة و الكتابة و بدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى. و اشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 و تشكلت اثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة و العمال.
يقول نجم: كانت أهم قراءاتي في ذلك التاريخ هي رواية الأم لمكسيم غوركي, و هي مرتبطة في ذهني ببداية و عيي الحقيقي و العلمي ب حقائق هذا العالم, و الأسباب الموضوعية لقسوته و مرارته.
″ ولم أكن قد كتبت شعرا حقيقيا حتى ذلك الحين و انما كانت أغان عاطفية تدور في اطار الهجر و البعد و مشكلات الحب الاذاعية التي لم تنته حتى الآن... و كنت في ذلك الحين أحب ابنة عمتي و أتمناها, لكن الوضع الطبقي حال دون اتمام الزواج لأنهم أغنياء″ .
و خرج الشاعر مع 90000 ألف عامل مصر من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها على اثر إلغاء المعاهدة, و كان يعمل بائعا حينئذ فعرض عليه قائد المعسكر أن يبقى و إلا فلن يحصل على بضائعه,» و لكنني تركتها و ذهبت«.
و في الفترة ما بين 51 الى56 اشتغل شاعرنا عاملا في السكك الحديدية. و بعد معركة السويس قررت الحكومة المصرية أن تستولي على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القنال و على كل ممتلكات الجيش هناك. و كانت ورش و أبورات الزقازيق تقوم في ذلك الحين بالدور الأساسي لان وابورات الاسماعيلية و السويس و بور سعيد ضربت جميعا في العدوان . ″ و بدأنا عملية نقل المعدات. و شهدت في هذة الفترة أكبر عملية نهب و خطف شهدتها أو سمعت عنها في حياتي كلها.أخذ كبار الضباط و المديرون ينقلون المعدات و قطع الغيار الى بيوتهم ... و فقدت أعصابي و سجلت احتجاجي أكثر من مرة... و في النهاية نقلت الى وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن تعلمت درسا كبيرا.أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية, كنت مقهورا و أرى القهر من حولي أشكالا و نماذج...كان هؤلاء الكبار منهمكين في نهب الورش, بينما يموت الفقراء كل يوم , دفاعا عن مصر...″ .
و في وزارة الشؤون الاجتماعية عملت طوافا أوزع البريد على العزب و الكفور و القرى و كنت أعيد في هذه المرحلة اكتشاف الواقع بعد أن تعمقت رؤيتي و تجربتي. شعرت حينئذ رغم أنني فلاح و عملت بالفأس لمدة 8 سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل و غير محتمل . كنت أجد في الواقع المصري مرادفات حرفية لما تعلمته نظريا. كان التناقض الطبقي بشعا.
في سنة 1959 التي شهدت الصدام الضاري بين السلطة و اليسار في مصر على اثر أحداث العراق انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية أحد الأحياء القديمة في القاهرة.
يقول نجم: و في يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض و المشاغبة إلى قسم البوليس و هناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال ״ .
...و ما زالت آثار الضرب واضحة على جسد نجم حتى الآن...
″ و بعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارا يقول أن العامل الذي مات كان مشاغبا و أنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه..و رفضت أن أوقع ,فضربت.″
و بعد ذلك عاش نجم فترة شديدة التعقيد من حياته إذ وجهت إليه تهمة الاختلاس, و وضع في السجن لمدة 33 شهرا.